شواطئ وبحار وأمواج بأنهار تهيج أمام عيني، تستقبل هموم صدري من أوضاع أنفسنا وأمتنا. وبينما كنت أُشاهد ذلك المنظر، الذي شدَّ نفسي وألهب عاطفتي إذا بجزيرة على ضفاف الهموم تناديني، ففتحت لي هذه الجزيرة باب الأمل في الحياة، فإذا بها خضرة ناضرة، ومياه صافية، وورود زاهرة، فخطوت خطوات سريعة لأضع قدمي في تلك الجزيرة، فقابلتني صخرة في الطريق أوقعتني، وعندها استيقظت من نومي... لقد كنت نائمًا عندما رأيت ذلك كل!!. أشرقت شمس النهار من حولي، وسمعت صوت زقزقة العصافير وتغريد الطيور، فقلت: الحمد لله..
أما بعدُ:
كما نعلم– إخواني– أن هذه الحياة بُنِيت على الأكْدَار والمتاعب، والغريب أن كثيرًا من الناس ممَّن تضربهم الكُرُبات، وتَقْسوا عليهم الغموم - تعلوهم سحائب الأحزان، وما يرون من الليل إلا سواده الحالك، فيفكر الواحد فينا في همومه وغمومه، متسائلاً عن الحل؟ فما يجد للحياة لذَّة ولا طعمًا، ولعلِّي أفسر ذلك بالبُعْد عن الله والانشغال بالعصيان عن طاعة الواحد الديَّان.
فدعني إذًا أُطَوِّف أنا وأنت على ضفاف الهموم..
قبل أن تَغْرق في بحارها
قِفْ على ضفافها
وابتسم للحياة
فما زال هناك أمل
· اليأس– كما نعلم– ليس من أخلاق المسلمين؛ فيعقوب النبي ينصح قائلاً: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.
· كثير من الناس لا ينظرون إلى حياتهم إلا من وراء النظارة السوداء، فلا يبصرون إلا سوادا قاتمًا، وينظر إلى كوب الماء فيقول : إنه فارغ، على الرغم من أن بالكوب بعضًا من الماء، ولا يرى من الليل إلا السواد، رغم أن أشدّ ساعات الليل ظلمة هي الساعة التي يعقبها بزوغ الفجر.
· أحبُّ أن أطمئنك على ضفاف الهموم... فمن لُطْف الله وعظيم مِنَّته علينا أنك لا تجد شدَّة من الشدائد إلا ويعقبها فرج، وما من كرب إلا ومعه تنفيس، وقد يَبْتلي الله أحدَنا بلاء ليرى منه صدق عبوديته وليلجأ إلى الله بالدعاء والتضرع.
ولنفرض أن ملكًا من الملوك أخذ بعض عماله ووضعهم في مركب ثابت وسط ماء بحر هائج، ثم لم يجعل لهم منقذ ولا منفذ ولا مخرج، وقال لهم: فكِّروا كيف تخرجون من الماء بلا حركة ولا استخدام أي شيء ولم يجعل لهم سبيلاً للخروج... أسألك: أليس ذلك ظلمًا وإجحافًا؟!
بلى... ولكن، تعال لتنظر إلى مالك الكون، الذي خلقنا ويعلم ما ينفعنا ويضرنا {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} سبحانه عَلِيٌّ عظيم، رحيم كريم، لطيف بعباده، يبتلي ربنا ويجعل الفرصة للسعادة قريبة من العبد ولا شك، فعلى ضفاف الهموم أعدَّ له مركب النجاة لينقذه من كل همّ وعُسْر.
فها هو سبحانه يُخاطِب عباده كل ليلة: هل من سائل ؟ هل من مستغفر؟ هل من داعٍ؟ حتى يطلع الفجر.
وها هو ربنا يقول مخاطبًا حبيبه محمدًا: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.
تأمَّل:
1- الله قريب منا وما علينا إلا أن نقول: يارب.. أليس رحيمًا؟
2- متى يستجيب؟ {إِذَا دَعَانِ}.
3- الرشاد كل الرشاد والخروج من الهموم {فَلْيَسْتَجِيبُوا} {وليؤمنوا}.
ومن رحمته يُبَشِّرنا ويطمئننا حتى لا نسوق أنفسنا أو غيرنا إلى ظلمات الهموم : { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ} المهموم والمغموم والمكروب { إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} إنه الله.. ومن غير الله.. لا إله إلا الله.
يا صاحب الهم إن الهم iiمنفرج
إذا بليت فثق بالله وارض iiبه
الـيأس يقطع أحيانا iiبصاحبه
الله يـحدث بعد العسر iiميسرة
والله مـالك غير الله من iiاحد
أبـشـر بخير فإن الفارج الله
إن الذي يكشف البلوى هو الله
لا تـيـأسـن فإن الفارج iiالله
لا تـجـزعن فإن الكافي iiالله
فـحـسبك الله في كل لك iiالله
ونبيك يقر بقوله: «إن النصر مع الصبر»، وفي ذلك سَلْوة للحزين والمهموم من آلام الأمة فالنصر مع الصبر، ويقول: «وإن الفرج مع الكرب»، فكيف تشعر بالفرج إن لم تطعم طعم الكرب. وأخيرًا: «وإن مع العسر يسرًا» ، فكلما اشتدت اعلم أن التيسير قادم..
فلا تغفل عن مركب النجاة من الهموم:
ورد قرآني + ثقة بالله + دعاء وتضرع= نجاة من الهموم
إذًا لا عذر لك أن تظلّ واقفًا هكذا يائسًا على ضفاف الهموم؛ لأن «من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه»... واحتسب أجر صبرك على الهموم؛ فإن الصبر على الهموم والأحزان ثوابه تكفير للسيئات.
قد يكون الأمر بسيطًا فلا تُعَقِّده
وقد يكون ميسرًا فلا تُعَسِّره
وقد يكون معسرًا فانتظر اليُسْرَ
وقد يكون حزينًا فانتظر الفرح
ودوامُ الحال من المحال
وكل مِحْنة بباطنها مِنَح كثيرة
فاستنشق عبير الحياة من جديد وافتح رئتيك لتستنشق زهور الأمور وعطور الفرح. وكما يقولون: كن جميلاً ترى الوجود جميلاً.
أمَا ترى أخيرًا أن الوقوف على ضفاف الهموم كثيرًا يُقْعد ولا يُحَرِّك ويكسل ولا ينشط، فدع الهموم جانبًا وعُد أدراجك الطبيعية وابدأ حياتك وابتسم للحياة، والله يعيننا ويعينك